#الدعوة #والتبليغ #والجهد #والتضحيات #للدين { من اتبع رسول الله دعا إلى مادعا إليه رسول الله وأنذر كما أنذر وتحرك كما تحرك } النبى صلى الله عليه وسلم هو سيد الأنبياء وخاتمهم ، بعث للناس داعيا وهاديا ومبشرا ونذيرا ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) . عندما جاء إليه الأمر صدع به فى الناس ، فلانبى بعده ولا رسول يخلفه ، وهذه دعوة خاتمة ، ستظل قائمة حجة على البشر إلى يوم الدين ، فقال لزوجته خديجة : ذهب عهد النوم ياخديجة ، نعم فلم يعد هناك إلا طول السهر وقيام الليل بين يدى ربه ، ثم القيام بالنهار لدعوة خلقه ، فهذا الطوفان من البشر أمانة فى عنقه أن يبلغهم هذه الرسالة وتلك الدعوة ( إن هو إلا ذكر للعالمين ) . فكان يمشى فى حوارى مكة ويقول : " ياأيها الناس قولوا لاإله إلا الله تفلحوا " ، وكنت لاتراه إلا غاديا أو رائحا من أجل هذا الدين ، وكان يسير فى مواسم الحج بين الوفود والقبائل ومعه أبوبكر وكان رجلا نسابة ــ أى كان يعرف أنساب العرب ــ فكان يقبل على القوم ويقول : هذا محمد بن عبدالله جائكم يحدثكم فاستمعوا له ، وكلما على قوم أو سار فى طريق تبعه عمه أبولهب يسبه ويهزأ به ويقول لاتصدقوه إنه كاذب . ذهب إلى الناس فى نواديهم ومجتمعاتهم وبيوتهم ، حدثهم فرادى وجماعات ، فى الطرق وفى الأسواق ، فى السفر وفى الحضر ، فى السر والعلن ، ينزل عليه القرآن فيقوم به فى الليل بين يدى ربه ويسأله العون على أعباء الدعوة ، وبالنهار يسبح بهذه الدعوة فى أرض الله بين عباده ، يرغب ويرهب ، يبشر وينذر ، يربى ويبنى ، ويغرس فى القلوب محبة الله وعظمته وكبرياءه وجلاله ويظهر لهم دلائل قدرته ، يتلو عليهم الآيات المكية التى تروح وتغدو بالوعد والوعيد ، وصفات الله تعالى وأسمائه وأفعاله ، فهو المبدىء والمعيد ، والخالق والرازق والمحيى والمميت ، النافع الضار والممسك والمعطى والمعز والمذل ، الرافع الخافض لاإله غيره ولارب سواه . وأمة النبى صلى الله عليه وسلم أفضل الأمم ، وجعل الله فيها هذه الخيرية والميزة لثلاثة أمور : الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والإيمان بالله ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) . فهذه أمة تدعو الله وتدعو إلى الله ، تعبد الله وتعبد غيرها لدين الله ،.إن أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ما انشغلوا إلا بجهد الدعوة والشغف الشديد بها ، فإذا شرح الله قلب أحدهم لهذا الدين ، أصبح شمعة تضىء هذا الخضم الهائل من الظلام الذى أطبق على حياة الناس من العقائد الفاسدة والعادات والأعراف الباطلة البالية . إن النبوة قد انقطعت بموت النبى صلى الله عليه وسلم ولكن جهد النبوة لم ينقطع بل هو موصول إلى يوم القيامة ، تحمله هذه الأمة كأمانة تؤديها عن نبيها ، فهذا تشريف لها من الله قبل أن يكون تكليفا ، حيث إنه لم يقم بجهد الدعوة قبل هذه الأمة إلا نبى أو رسول . وهم المسلم دائما هو الدعوة ، والإستفادة من كل مناسبة لإدخال الناس فى رحمة الله ، كما قال الربيع بن أنس : من اتبع رسول الله دعا إلى مادعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنذر كما أنذر ، وهذا مافعله أبوبكر رضى الله عنه عندما طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مبتدأ كلامه أن يدعو أمه إلى الإسلام عسى الله أن يشرح صدرها ، وقد فعل سبحانه وتعالى . لقد كان إعداد الصحابة لحمل أمانة هذا الدين أمرا بالغ الأهمية ، فكانوا إذا جن عليهم الليل تجدهم رهبانا قد تجافت جنوبهم عن المضاجع ، وباعوا كل ثمين وغال ، وضجوا بالنفس والنفيس ، ونقوا قلوبهم مما سوى الله ، وهذه هى حقيقة الإيمان واليقين ، ألا يكون فى القلب تعظيم لغير الله وألا تصرف الهمة والجهد إلا له وحده ، وألا نرجو غيره ولانسأل أحدا سواه ولانتوكل إلا عليه ولانخشى إلا عذابه وعقابه ، فكما هو رب واحد ، هو كذلك إله واحد ، وهذا اليقين نبت فى قلوب الصحابة وترعرع بالتضحية والجهاد لابالجدل والكلام ، فكثير من الناس فى هذا الزمان يظن أن صاحب العقيدة هو من يقرأ كتابا أو كتابين من كتب أهل الكلام ، ومن لم يقرأ فيها فليس بزعمه صاحب عقيدة ولاإيمان !! ولو كان الأمر كذلك لما بعث الله نبيا أميا بين أميين ، والبصير العاقل هو من يعرف الفرق جيدا بين الأمى والجاهل ، فالصحابة أعلم الناس بدين الله وأفقههم له ، ولكنهم لم يسموا تلامذة بل سموا صحابة، وذلك لأنهم تعلموا الدين بالصحبة والمخالطة وليس بصورة المتلقين والتلقى فقط بين العالم والمتعلم ، فهم من تعلموا من الصحبة والخلق والسلوك كما تعلموا صحة العقيدة والعبادة على السواء ، ولم يكن هناك فصام ولاانفصال بينهما . ولو كان الأمر كذلك لما تحرك أجد بدين الله على الإطلاق ، لأن الدين حينئذ سيصبح نظرية يتعلمها الناس من كتاب ثم بعد ذلك يبدؤون فى الحركة لنشر هذا الدين . ولو كان الأمر كذلك أيضا لجلس النبى صلى الله عليه وسلم فى دار الأرقم بن أبى الأرقم يعلمهم النظرية ثم يخرجوا ليعلموا الناس بعدما تيقنوها حفظا وكلاما ، وأيضا لنزل القرآن جملة واحدة ، ودليل نزوله منجما متفرقا بحسب تتابع الأحداث هو أن هذا الدين بعقيدته هو دين الحرية والعمل بإيمان صحيح واضح مستقيم مع الفطرة وهونور يقذفه الله فى القلب يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، لانظرية جدلية فلسفية ، فالإيمان أمر غيبى ، وأصحاب هذه الدعاوى الباطلة يريدونه أمرا ماديا حسيا جدليا ، وهذا خطأ جسيم دخل به الشيطان على عقول عقيمة من الخير ، فضلت وأضلت ، وفتحت على الأمة أبواب الفتن والجدل وضياع الأوقات والجهود ، وخرجوا من هذا بسوء الفهم والخلق ، وعلامة ذلك أنك ترى الواحد منهم ضيق الصدر مع أن الإيمان هو سعة الصدر ، مترفعا عن الناس متكبرا على أقرانه وذويه مع أن الإيمان ذلة للمؤمنين وتواضع لهم ، وترى بلادة الحس وجفاف المشاعر مع أن الإيمان حس مرهف وعاطفة مليئة بالحب والخير لكل الناس ، ترى نفسا متربصة تجيد النقد والتجريح والتبديع والتفسيق وكشف المساوىء والعورات ، رغم أن الإيمان كف للطرف عن المساوىء وستر للمعايب .