من حفل السيدة وردة الجزائرية نظمه أحد الفنادق بتونس لعام 1991 وقد غنت فيه عددًا من الأغاني من بينها " بودعك - شعوري ناحيتك - بتونس بيك - من كل بستان وردة " بودّعك .. لهذه الأغنية قصة طويلة . و قد كتبها ولحنها الملحن القدير بليغ حمدي .. زوج السيدة وردة السابق . حيث أنه عندما أصرت وردة على الطلاق فطلقها منه المحامي محمود لطفي بموجب التوكيل المطلق الذي يحمله من بليغ .. كتب لها بليغ برسالة يقول فيها "بودعك وبودع الدنيا معك قتلتيني جرحتيني الله معك" وذلك في عام 1979 كتعبيرًا عن ألمه . وفي عام 1984 حصلت كارثة السيد بليغ والتي تعرف بـ قضية سميرة مليان حيثُ اتهم فيها بتسهيل أغراض الدعارة في منزله والقتل أيضًا . وضلت القضية تدور في المحاكم لمدة عامين وبليغ طليق لم يُقبض عليه وظل بليغ في هذه العامين يلحن لبعض المطربات ولكن لا نجاح يذكر ولا مردود مادّي بسبب خوف الإعلام والمنتجين من موضوع القضية حيث كان بليغ من المغضوب عليهم ، فوسّط بعض الأصدقاء بينه وبين وردة وبأنه يحتاج لوردة لتغني له لحنًا بسبب نجاحها وتصدرها لكل الحفلات في ذلك الوقت فوافقت السيدة وردة فورًا . وفي عام 1986 حصل التعاون والعودة المنتظرة حيث عادت الملكة لألحان القديس ، وأعلن أن وردة وبليغ سيقدمان لحنًا في حفل الربيع لهذا العام على مسرح فاطمة رشدي .. من كلمات ولحن بليغ حمدي فلم يلقَ هذا الخبر أي استحسان ولا قبول من الصحافة . وبدأت المانشتيات تنشر وتعلن عن موعد الحفل .. وقاد بليغ حمدي الحفل في لحنه الجديد " من بين ألوف " ولم يُصور ذلك الحفل واكتفوا بإذاعته على الإذاعة خوفًا من تبعات دعمهم لبليغ حمدي . ولكن اللحن لقي نجاحًا واستحسانًا عاليًا لدى الجمهور .. واستمرت وردة تغنيه لمدة عامين متتالين ، في أثناء ذلك صدر القرار بسجن بليغ حمدي ! فكان بليغ حمدي يخشى السجن فاقترح عليه أصحابه بأن يسافر إلى لندن .. وبالفعل ذهب إلى هناك ، وعاش متنقلًا بين باريس ولندن منذ 1986 وحتى يوم 25 نوفمبر من عام 1991 . وفي الغربة تدهور حال بليغ الصحي والمادي بشكل كبير ، حيث كان يفرط في الشرب والتدخين بسبب حالته النفسية بالغة السوء .. وكان يتردد عليه بعض أصدقائه كـ ميشيل المصري والأستاذ محمد عشوب والسيدة وردة وأحد أخواته والاستاذ محسن . ولكن ذلك لم يهون عنه ألم الغربة .. فكان معتادًا أن تتصل به وردة منذ طلاقهما في كل عيد ميلاد لتهنئه .. وفي تلك الأيام مرضت وردة بسرطان الثدي وسافرت للعلاج ولم تشأ أن تزعجه بأخبارها .. فانشغلت بإجراء العمليات ولم تتصل به ، فتألم بليغ بشدة وكتب مكتوبًا بعثه لها قائلًا ( كتبت لك زي الليلة دي في عيد ميلادي غنوة لك تفكرك بموعدك " سنة حلوة يابليغ " ). عندما زارت وردة بليغ آخر مرة في باريس بعد انتهاء رحلة علاجها ، وجدت أن حاله قد ساء فلم توضح له شيئًا وعند عودتها لمصر توجهت لوزارة الداخلية .. وتكلمت مع الوزير وأبلغته أن هذا الوضع لابد له من نهاية وأن بليغ ابن مصر وهو يموت بعيدًا عنها .. ولازم يرجع ويرجع وهو بريء رافع راسه ، فأبلغها الوزير أن بليغ لابد أن يحضر المرافعة ! كيف يمكننا الحكم في قضيته وهو لم يحضر جلسات المحكمة ولم يوكل محامي ليدافع عنه ، هو لن يسجن ولكن أقنعيه بحضور جلسة المحكمة . وقالت له " لو بليغ حضر الجلسة واتسجن أنا والجمهور هنعتصم قدام السجن " فقال لها اتطمني لن يسجن ولكن عندي شرط تغني لنا ياوردة في حفل عيد الشرطة بدون مقابل وتتكفلي بالملحن والكاتب والفرقة فقالت له انت عارف انه دي بلدي وان انا عمري ماتأخرت عنها .. ودايمًا بغني لها بدون مقابل . وعندما بلغ الحال غاية السوء مع بليغ حمدي اقترح عليه المنتج محسن جابر أن يبيع كلماته .. فكان مشهورًا عن الشاعر منصور الشادي السعودي أنه يشتري الكلمات وقد اشترى منه سابقًا من بين ألوف ، فصاغ بليغ أغنية بودعك ورتبها وقدمها له .. فأعجب الشاعر السعودي بالكلمات بشدة ولكنه اشترط هو ومحسن جابر أن تغني وردة الكلمات ووعده الشاعر بمبلغ كبير مقابل التنازل و محسن جابر عرض عليه 15 ألف دولار أجرًا له كملحن لكي يعمل على إنتاج الاغنية اذا أقنع وردة بغنائها . وبالفعل وسّط الأصدقاء مرة أخرى بينه وبين وردة ، كانت رافضةً في البداية لكون كلمات الأغنية كانت رسائلًا يبعثها بليغ لها وقالت ده بيشتمني ويعاتبني قدام الملأ ! فأقنعاها ماكيرها محمد عشوب والأستاذ أحمد فؤاد حسن بأن بليغ كان يعاتبها ولا يعاتب سوى المحب . واقتنعت وردة بغناء الأغنية لكي تعين بليغ دون أن تُشعره بأنها شفقة معطي حيث كان يرفض الشيكات والمبالغ النقدية التي تقدمها له . وبالفعل كان يتصل بها ليسمع أداءها ويحفظها اللحن ويعمل على مساعدة الأستاذ ميشيل المصري والأستاذ أحمد فؤاد . وقد قالت وردة عام 94 في لقائها لقنوات الأوربت أن الأمر كان في غاية الصعوبة وقالت ليس من السهل أن تقف على المسرح وتغني لحنًا كان ملحنه غائبًا عن كل البروفات ولم يحضر إلا التسجيل النهائي للأغنية ! ومن ثم حصل الفرج تمت تبرئة الموسيقار وعاد بليغ ليشرف على تسجيل الأغنية بنفسه . وعندما انتهى بليغ حمدي من احتفالات العودة تفرغ للإشراف على التسجيل واقترحوا وضع الكورال في مقطع يصف ضرب الإيقاع " دم تك ددم دم تك " وقد أخذ هذا المقطع صيتًا كبيرًا جدًا ! وقد كان محسن جابر مشرفًا على كل خطوات ولادة اللحن لأنه كان يتوقع نجاحًا كبيرًا بسبب قصة الحب العظيمة التي تجمع ملحن ومطربة الأغنية حتى أنه طلب من وردة أن تقول سنة حلوة يابليغ على المسرح ، ولكن خاب ظنه عندما استقبل النقاد اللحن ! فقد وصفوه بالكآبة والرتابة واستمرت وردة بغنائه في حفلتين ولاحظت أن الجمهور كان متمللًا من طول الأغنية وطابعها الحزين ولم تنجح الأغنية في مصر . وذكرت وردة أيضًا عام 94 في لقائها لقنوات الأوربت بأن هذه الأغنية هي كلمات بليغ ولكنه وضع اسم أحد الشعراء بدلًا منه وأن هذا النوع من الألحان يشق طريقه للنجاح بهدوء ، تحققت تلك النبوءة وصارت من أشهر أغانيها فعلًا ولا تزال أغنية بودعك درّة ثمينة في تاريخ الطرب العربي .