وُلِدَ عبدُ الله بن مسعود رَضِيَ ٱللَّٰهُ عَنْهُ في مكة قبل بعثة النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم بحوالي عشرين سنة. كان من قبيلة هذيل، وهي قبيلة عربية تعيش حول مكة، ولها حِلف مع بني زهرة قبيلة أم النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم. نشأ في بيت بسيط بعيد عن الغنى والجاه بين قريش، وهذا جعله يعيش شبابه بالصبر والعمل الجاد. منذ صغره كان عبد الله بن مسعود رَضِيَ ٱللَّٰهُ عَنْهُ يرعى الغنم ليساعد أهله. كان الناس يرونه في الصحراء يسير مع غنمه، بجسم نحيف وثياب متواضعة. لم يكن مشهورًا إلا كراعٍ أمين ومجتهد. لكن خلف هذا الجسد الضعيف كان قلبه هادئًا وعقله ذكيًا وروحه مستعدة لقبول الحق. في مكة كان المجتمع مقسومًا بين السادة من قريش والعبيد والفقراء. وكان عبد الله بن مسعود رَضِيَ ٱللَّٰهُ عَنْهُ من الطبقة الضعيفة بسبب جسمه النحيف وعمله البسيط. لكن الله سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى أعدّ له مكانة عالية أعظم من أي جاه دنيوي. مع مرور السنين، اشتهر بصدقه وأمانته. لم يكن يأخذ ما ليس له، حتى لو كان جرعة لبن من غنم ليست ملكه. وإذا طُلب منه شيء ليس له الحق فيه، يرفض بأدب لأنه يعلم أن الأمانة غالية. وهذه الصفة جعلت النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يثق به ثقة كبيرة. وكان بعض الناس يسخرون من جسمه النحيف وساقيه الضعيفتين. لكن ما يراه الناس ليس مثل ما عند الله سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى. تلك الساقان ستثبت في ميادين الجهاد، وذلك اللسان البسيط سيهز القلوب بتلاوة القرآن. نشأ عبد الله بن مسعود رَضِيَ ٱللَّٰهُ عَنْهُ في بيئة مليئة بالأصنام وأغاني الجاهلية وكبرياء قريش، لكنه لم يمِل إليها. كان يعيش ببساطة كأن الله سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى يجهزه لاستقبال نور الوحي. في خلوة الصحراء مع غنمه كان يتأمل ويستمع لأصوات الطبيعة بعيدًا عن صخب الجاهلية. وفي شبابه كان يُعِدّه الله سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى ليكون من أقرب أصحاب النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، وعالمًا بالقرآن، ومعلمًا للأمة. ورعي الغنم علّمه الصبر والأمانة وضبط النفس، وهي صفات يحتاجها لحمل أمانة القرآن. وفي يوم كان يرعى غنمًا لعقبة بن أبي معيط، جاءه رجلان: النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وأبو بكر رَضِيَ ٱللَّٰهُ عَنْهُ. طلب النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم منه لبن شاة، فأجاب بأدب أن الغنم أمانة عنده وليست ملكه. فأظهر بذلك أمانته رغم فقره. ثم طلب النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم شاة لم تلد وليس فيها لبن. فجاءه عبد الله بن مسعود رَضِيَ ٱللَّٰهُ عَنْهُ بها. فمسح النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ضرعها ودعا الله سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى، فامتلأ باللبن، فشربوا حتى ارتووا. ثم مسحها مرة أخرى فعادت كما كانت. رأى عبد الله بن مسعود رَضِيَ ٱللَّٰهُ عَنْهُ ذلك المشهد العجيب، فامتلأ قلبه يقينًا أن هذا الرجل ليس إنسانًا عاديًا. أعجب بأخلاق النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ولان قلبه لما رأى من كرامة. ومن هنا بدأت بذور الإيمان تنمو في داخله. بعد ذلك أحب أن يكون قريبًا من النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، فصار يتعلم منه الأدب ويسمع كلامه ويرى أفعاله. فوجده صادقًا، متواضعًا، رحيمًا. وكلما اقترب منه، ازداد حبًا له ورغبة في الإسلام. وهكذا التقت أمانته وصدقه مع نور الرسالة. شعر عبد الله بن مسعود رَضِيَ ٱللَّٰهُ عَنْهُ أنه وجد النور الذي كان يبحث عنه. وكانت تلك اللحظة البسيطة مع الغنم بداية تحوّل كبير في حياته، ليصبح من أقرب أصحاب النبي محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وأعظم علماء القرآن.

https://youtu.be/gPYOxJDh0B8?si=kgMuFDCdNNkjghByhttps://youtu.be/rJd_np7rvdM?si=K0RraNbpmzoxziEqhttps://youtu.be/TXQqoDFQWR4?si=2P_PgGfupUeooGA1https://youtu.be/F3C2Bwfpna8?si=FVJXxgD7C2vSDuL8https://youtu.be/hIo0jRrN04U?si=GFq13JQgG5v7xxivhttps://youtu.be/OiNB2vO65Fg?si=K8VMvwBHAUk0d_0chttps://youtu.be/J57KRbq-gkA?si=94zWMGfQDmxD_p-Shttps://youtu.be/F3C2Bwfpna8?si=rU0ZhSOlQdLsmE_3